شيخ من الأحساء.. عمره 110 أعوام يصبح ذاكرة الزمان والمكان الأحساء: سامي العلي
مضى قرن وعشر سنوات من عمره، ولا يزال عبد الحميد المسبح يتمتع بذاكرة تتقد في سرد الأحداث التاريخية والاجتماعية التي عايشها بكل تفاصيلها، حتى أصبح شاهدا على تاريخ قريته البطالية، القرية التي اخذت اسمها من اسم أحد اعيان الدولة العيونية، وهو مالك بن بطال بن مالك بن إبراهيم العيوني، وتقع في الجزء الشرقي من الأحساء في شمال شرق مدينة الهفوف إلى الشرق من مدينة المبرز.
وأصبح المسبح راوياً لأحداث تاريخية شهدتها الأحساء ورسمت معالم تاريخها المعاصر، وخاصة المعارك التي أسفرت عن توحيد البلاد، حيث يتذكر المعركة التي وقعت في محافظة الأحساء بين الملك عبد العزيز وقبيلة العجمان، المعروفة بواقعة كنزان عام 1915 والتي تعود تسميتها إلى جبل كنزان المعروف في الوقت الحاضر بـ«جبل الشعبة». ويذكر المسبح قصته مع الملك عبد العزيز التي ما زالت عالقة في ذهنه حتى اليوم، حينما كان يجول في طرقات قريته، وكان الملك عبد العزيز يتجول بفرسه في المكان، وحين شاهده الملك عبد العزيز، قال له مبديا خوفه عليه من ان يصيبه مكروه حينما كان طفلا (يا ولدي اذهب لأمك تراها تبحث عنك). ويصف المسبح الملك عبد العزيز بأنه كان يمسك بزمام الفرس مترجلا، ويلبس الغترة على رأسه، ويسرد المسبح قصص بعض الأحداث التي وقعت بين الملك عبد العزيز وأعيان المنطقة في فترة وجوده في الأحساء قبل أكثر من تسعين عاما.
وحتى بعد تجاوزه القرن من عمره ما زال المسبح يحفظ العديد من القصائد الشعبية التراثية، وبعض النصوص الشعرية لكبار الشعراء القدماء، إضافة إلى بعض الحوارات الشعرية التي كانت تبرز فيها قوة الشاعر وإبداعه في المبارزات الشعرية قديما، فهو يذكر شعراء الأحساء الذين عاصرهم، ومنهم عبد الكريم المتن والشيخ حسن العيثان ومحمد بن علي الياسين، يقول عن نفسه انه يهوى كتابة الشعر منذ صغره، لذلك عشق الشعر وحفظه.
وللمسبح قصيدة شعبية طويلة وفكاهية عبارة عن محاورة بين الشاي والقهوة والنارجيلة. ولا يقتصر في حفظه على الشعر، ولكنه يحفظ أيضا عدداً كبيراً من الأقوال والأمثال الشعبية التي يتداولها الأحسائيون في الزمن الماضي، وكذلك الحكم والقصص القرآنية والسير التاريخية.
ويرى أبناء قريته أنه ذاكرة حية لتاريخ قريتهم البطالية، حيث يرجع له أبناؤها لسرد تاريخ أنسابهم على مدى قرون طويلة لمعرفته بالتاريخ وبعض أنساب القبائل والعوائل التي كانت في القرية، بسبب ما يحمله من معرفة واسعة واطلاعه على الكتب القديمة.
ويدون المسبح كل الأحداث التي تجري في قريته وبعض المعلومات التي يستخرجها من بطون أمهات الكتب، وبعض الكتابات والنصوص التي يقوم بتأليفها في دفاتر متنوعة، والتي يختزنها في ركن خاص في منزله، ويقوم باسترجاع هذه المدونات من وقت لآخر، لكي لا ينساها مع مرور الوقت، فهو ما ان يشك في معلومة حتى يتأكد من صحتها من خلال هذه الدفاتر التي خطها بنفسه، كذلك يحتفظ ببعض المخطوطات والرسائل القديمة والتي تعود الى ستين سنة، ويقصد المسبح العديد من أبناء الأحساء بهدف معرفة بعض الشواهد التاريخية والمعلومات الأثرية التي تزخر بها المنطقة.
ويقضي المسبح، الذي بدا متعبا، حيث صار سمعه ثقيلا، في مجلسه، فهو ينهض من نومه في الصباح الباكر، ليتناول وجبة الإفطار، ثم يقوم بقراءة بعض الكتب أو الأدعية، والمسبح متزوج من أربع نساء، وله ثمانية من الذكور والإناث، وعمل في الزراعة كما امتهن صناعة الطواقي