مِن ثمين وصاياه
ما أكثر الغالي من نصائحه ( عليه السلام ) والثمين من وصاياه ، فإنه لم يترك نهجاً للنصح إِلا سلكه ، ولا باباً للإرشاد إِلا ولَجه ، فتارةً يحثنا ( عليه السلام ) على التقوى والورع والاجتهاد وطول السجود والركوع ، ويقول ( عليه السلام ) : ( كونوا دُعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم ، وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً ) [ الكافي : باب الورع ] .
وأخرى يريد ( عليه السلام ) منا أن نرتقي فوق تلك الرتب فنكون من أرباب الشكر والدعاء والتوكّل فيقول ( عليه السلام ) : ( من اُعطي ثلاثاً لم يمنع ثلاثاً ، من أعطي الدعاء أعطي الإجابة ، ومن اُعطي الشكر اُعطي الزيادة ، ومن اُعطى التوكُّل اُعطي الكفاية ) .
ويرشدنا إلى الأرفع من هذا منزلة فيقول ( عليه السلام ) : ( إذا أراد أحدكم ألا يسأل الله شيئاً إِلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم ، ولا يكون له رجاء إِلا عند الله ، فإذا علم الله عزّ وجل ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئاً إِلا أعطاه ) [ الكافي : باب الاستغناء عن الناس ] .
وطوراً يرغّبنا في الأخلاق الكريمة والصفات الفاضلة ، فيشير الى التواضع ويصف لنا بعض مواضعه فيقول ( عليه السلام ) : ( من التواضع أن ترضى من المجلس دون المجلس ، وأن تُسلّم على من تلقى ، وأن تترك المراء [ الجدال ] وإِن كنت محقاً ، ولا تحبّ أن تُحمد على التقوى ) [ الكافي : باب التواضع ] .
ويذكر عدَّة خصال يزدان بها المرء ويسمو بها مرتقى عليّاً فيقول ( عليه السلام ) لأصحابه : ( اسمعوا منّي كلاماً هو خير من الدُهم الموقّفة [ الدهم : الخيل الشديدة السواد، والموقّفة - بتضعيف القاف جمع موقف كعظم - من الخيل الأبرش أعلى الاُذنين كأنهما منقوشان بالبياض ] لا يتكلّم أحدكم بما لا يُعنيه ، وليدع كثيراً من الكلام فيما يعنيه ، حتّى يجد له موضعاً ، فرُبّ متكلّم في غير موضعه جنى على نفسه بكلامه ، ولا يمارينّ أحدكم سفيهاً ولا حليماً ، فإن من مارى حليماً أقصاه ، ومن مارى سفيهاً أرداه ، واذكروا أخاكم اذا غاب عنكم بأحسن ما تحبّون أن تذكروا به اذا غبتم ، واعملوا عمل من يعلم أنه مجازى بالإحسان ) [ مجالس الشيخ الطوسي، المجلس 2 ] .
ويصف لنا حُسن الخُلق بما يدفعنا على المسارعة بالتخلّق به فيقول ( عليه السلام ) : ( إذا خالطت الناس فإن استطعت ألا تخالط أحداً منهم إِلا كانت يدك العليا عليه فافعل ، فإن العبد يكون فيه بعض التقصير من العبادة ويكون له حُسن الخُلق ، فيبلغه الله بخُلقه درجة الصائم القائم ) [ الكافي : باب حسن الخلق ] .
وما أكثر ما يحث به على التجمُّل بلباس الخُلق الحسن ، وقرينة السخاء ، ومن ذلك قوله ( عليه السلام ) : ( إِن الله ارتضى لكم الإسلام ديناً فأحسنوا صحبته بالسخاء وحُسن الخُلق ) [ الكافي : باب كظم الغيظ وباب المكارم ] .
وأوصانا على لسان المفضّل بن عمر الجعفي بخصال ست لا توزن بقيمة ، قال ( عليه السلام ) له : ( أوصيك بستّ خِصال تبلغهنّ شيعتي ) ، قال : وما هي يا سيّدي ؟ قال ( عليه السلام ) : ( أداء الأمانة إلى من ائتمنك ، وأن ترضى لأخيك ما ترضى لنفسك ، واعلم أن للأمور أواخر فاحذر العواقب ، وأن للاأمور بغتات فكن على حذر ، وإِيّاك ومرتقى جبل سهل اذا كان المنحدر وعراً ، ولا تعِدنّ أخاك وعداً ليس في يدك وفاؤه ) [ بحار الأنوار : 78 / 250 / 94 ] .
ونهانا عن خِصالٍ بارتكابها الضعة والسقوط ، فقال ( عليه السلام ) : ( لا تمزح فيذهب نُورك ، ولا تكذب فيذهب بهاؤك ، وإِيّاك وخِصلتين : الضجر والكسل ، فإنك إِن ضجرت لا تصبر على حق ، وإِن كسلت لم تؤدّ حقاً ) .
وقال ( عليه السلام ) : وكان المسيح ( عليه السلام ) يقول : ( من كثر همّه سقم بدنه ، ومن ساء خُلقه عذَّب نفسه ، ومن كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر كذبه ذهب بهاؤه ، ومن لاحى الرجال ذهبت مروَّته ) [ بحار الأنوار : 78 / 199 / 26 ] .
وممّا أوصى به أصحابه قوله ( عليه السلام ) : ( تزاوروا فإن في زيارتكم إِحياءً لقلوبكم وذكراً لأحاديثنا ، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض ، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم ، وإِن تركتموها ظللتم وهلكتم ، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم ) [ الكافي : باب تذاكر الأخوان ] .
وقال ( عليه السلام ) : ( اجعلوا أمركم هذا لله ولا تجعلوه للناس ، فإنه ما كان لله فهو لله ، وما كان للناس فلا يصعد إلى السماء ، ولا تخاصموا بدينكم ، فإن المخاصمة ممرضة للقلب ، إِن الله عزّ وجل قال لنبيّه ( صلى الله عليه وآله ) : ( إِنّك لا تهدي من أحببتَ ولكنَّ الله يهدي من يشاء ) [ القصص : 56 ] ، وقال : ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) [ يونس : 99 ] ، ذروا الناس فإن الناس قد أخذوا عن الناس وإِنكم أخذتم عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعن علي ( عليه السلام ) ولا سواء ، وأني سمعت أبي يقول : إذا كتب الله على عبد أن يدخله في هذا الأمر كان أسرع اليه من الطير الى وكره ) [ الكافي : باب ترك دعاء الناس ] .
وقال ( عليه السلام ) وهو يريد من أصحابه التوطين والنظر إلى الأمر من بعيد : ( اصبروا على الدنيا فإنما هي ساعة ، فما مضى منه فلا تجد له ألماً ولا سروراً ، وما لم يجئ فلا تدري ما هو ، وإِنما هي ساعتك التي أنت فيها ، فاصبر فيها على طاعة الله ، واصبر فيها عن معصية الله ) [ بحار الأنوار : 78 / 311 ] .
وقال ( عليه السلام ) : ( اجعل قلبك [ العقل ] قريباً برّاً ، وولداً مواصلاً ، واجعل عملك والداً تتبعه ، واجعل نفسك عدوّاً تجاهده ، واجعل مالك عارية تردها ) [ البحار : في أحواله ج 11 ] .
وقال ( عليه السلام ) : ( إِن قدرت ألا تُعرف فافعل ، ما عليك ألا يثني عليك الناس ، وما عليك أن تكون مذموماً عند الناس اذا كنت محموداً عند الله ) [ بحار الأنوار : 78 / 224 / 95 ] .
وقال ( عليه السلام ) يحثُّ على الدعاء : ( الدعاء يردّ القضاء ما أبرم إبراماً ، فأكثر من الدعاء فإنه مفتاح كل رحمة ، ونجاح كل حاجة ، ولا ينال ما عند الله عزّ وجل إِلا بالدعاء ، وأنه ليس باب يكثر قرعه إِلا ويوشك أن يُفتح لصاحبه ) [ الكافي : باب الدعاء يردّ البلاء والقضاء ] .
وقال ( عليه السلام ) : ( لا تطعنوا في عيوب من أقبل اليكم بمودَّته ولا توقفوه على سيّئة يخضع لها ، فإنها ليست من أخلاق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولا من أخلاق أوليائه [ روضة الكافي ] .
وقال ( عليه السلام ) : ( أحسنوا النظر فيما لا يسعكم جهله وانصحوا لأنفسكم ، وجاهدوا في طلب ما لا عُذر لكم في جهله ، فإن لدين الله أركاناً لا تنفع من جهلها شدَّة اجتهاده في طلب ظاهر عبادته ، ولا يضرّ من عرفها فدان بها حسن اقتصاده ، ولا سبيل الى أحد الى ذلك إِلا بعون من الله عزّ وجل ) [ إرشاد الشيخ المفيد طاب ثراه : في أحواله ( عليه السلام ) : ص 213 ] .
وقال ( عليه السلام ) : ( إِيّاكم وعِشرة الملوك وأبناء الدنيا ففي ذلك ذهاب دينكم ويعقبكم نفاقاً ، وذلك داء ردي لا شفاء له ، ويورث قساوة القلب ويسلبكم الخشوع ، وعليكم بالإشكال من الناس والأوساط من الناس فعندهم تجدون معادن الجواهر ) .
وقال ( عليه السلام ) : ( وإِيّاكم أن تمدُّوا أطرافكم إلى ما في أيدي أبناء الدنيا ، فمن مدَّ طرفه إلى ذلك طال حُزنه ولم يشفِ غيظه واستصغر نعمة الله عنده ، فيقلّ شكره لله ، وانظر الى من هو دونك فتكون لأنعم الله شاكراً ، ولمزيده مستوجباً ، ولجوده ساكناً ) [ كتاب زيد النرسي : وهو من الأصول المعتبرة ، وما يزال مخطوطاً ] .
وقال ( عليه السلام ) : ( إِذا هممت بشيء من الخير فلا تؤخّره ، فإن الله عزّ وجل ربما اطَّلَعَ على العبد وهو على شيء من الطاعة فيقول : وعزّتي وجلالي لا أعذبك بعدها أبداً ) .
وقال ( عليه السلام ) : ( وإذا هممت بسيّئة فلا تعملها فإنه ربما اطلع على العبد وهو على شيء من المعصية فيقول : وعزّتي وجلالي لا أغفر لك بعدها أبداً ) [ وسائل الشيعة : 1 / 18 ] .
اسالكم الدعاء